المغتربون وحقوقهم المهضومة


وسط ما يعيشه المصريون من ظروف اقتصادية أسوأ ما تكون، يبقى حلم الهجرة الدائمة أو المؤقتة إلى الخارج مسيطرًا على عقول كثيرين منهم من الذين لم يجدوا بابًا مفتوحًا في مصر يدخلون منه ليعيشوا حياةً
لقد لجأ أكثر المصريين من الشباب وأصحاب المهن المختلفة وذوي الدخل المتدني والمحدود، فضلًا عن المثقفين والعلماء والدارسين، إلى السفر لدول قد يجدون فيها "لقمة" عيش تمكنهم من حياة أفضل لهم ولأسرهم، لكن هذا لا يعني أبدًا انقطاع صلتهم بالوطن وتجاهل حقوقهم في الممارسة السياسية والمدنية والمشاركة الفعالة في وطنهم الأم.. وإن كان الدستور المصري قد أعطى لكل مواطن مقيم في مصر أو خارجها الحق في المشاركة المدنية والسياسية والتصويت في الانتخابات وتكوين الأحزاب والنقابات، فهذا للأسف لا يتحقق على أرض الواقع وبدون مبررات..
وعجبًا لحكومة تناشد الناس بالتخلي عن اللامبالاة والسلبية السياسية والإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع والمساهمة في بناء هذا الوطن، وهي نفسها تهضم حق المقيمين في الخارج وتقذف بهم بعيدًا عن المشاركة والاختيار في قضايا المجتمع.. ولا شك أن أي مصري يغادر وطنه بحثًا عن عمل أو من أجل الدراسة أو لغيرها من أمور، هو ابن مصر، فلماذا لا يتم تشجيع هؤلاء المقيمين في الخارج على ممارسة حقهم الانتخابي؟، ولماذا تتم مصادرة حقوقهم على كل المستويات التي ضمنها لهم الدستور والقانون؟، والحقيقة أن أغلب المصريين في الخارج يمثلون إضافة وقيمة مصرية كبيرة ولديهم الوعي بحقوقهم وواجباتهم السياسية، فلماذا لا يتم جذبهم وتمكينهم من حقوقهم ورعاية هؤلاء المغتربين بالتنسيق مع الوزارات والسفارات المصرية واتحاداتهم بالخارج..
نعلم أن هناك مشكلة كبرى تتعلل بها الحكومة وهي أن الغالبية العظمى من المصريين في الخارج لا يسجلون بياناتهم أو عناوينهم في القنصلية أو السفارة المصرية، لكن هذه المشكلة تتطلب بذل الجهود من أجل إقامة منظومة سياسية للتعامل مع هؤلاء ورعاية شئونهم.. إن إستطعنا أن نقول وللأسف إن الديمقراطية أمر نادر في مصر، فعلى الأقل لابد من ضوابط وأسس تكفل للجميع حق المشاركة العامة بما يعزز ارتباط الفرد بمجتمعه من خلال الجنسية التي يتمتع بها والتي تمنحه أحقية ممارسة ما له من حقوق وما عليه من واجبات.
إن العقل والمنطق يقولان إن أبنائنا المقيمين بالخارج بحاجة إلى توزيع عادل للمراكز الانتخابية على الدول التي توجد بها جاليات مصرية لضمان مشاركتهم في العملية الإنتخابية.. ولهم أيضًا اللجوء لقانون الدولة المقيمين بها ولدولتهم الأصلية ووزارة الهجرة لاسترداد حقهم في حالة تعرضهم لأي مشكلة هناك بما يؤكد شعورهم بوقوف الدولة إلى جوارهم وأن هجرتهم لا تعني انفصالهم أو خروجهم عن نطاق الوطن..
وإذا كانت العراق ولن نستشهد بأمريكا أو غيرها من الدول الكبرى، لكنها العراق التي تعاني سطوة الاحتلال، تمارس حق التصويت لأبنائها المقيمين خارجها، ونحن في مصر أم الدنيا وأصل الحضارة العربية ما زلنا إلى الآن لا نعترف بحقوق أبنائنا من المغتربين، فأعتقد أن هذه مهزلة تحتاج منا لوقفات..
هناك أكثر من 8 مليون مصري في الخارج.. لماذا لا نستفيد من خبراتهم وأفكارهم وتجاربهم ونمنحهم حقوقهم؟، فحين يشعر هؤلاء أنهم في عيون وأحضان دولتهم، سوف يعطون لها الكثير ولن يبخلوا عليها بأي شيء من شأنه أن يحقق نهضتها واستقرارها.. لذلك فإن على الدولة أن تقوم على الفور بتنظيم تشريعي للإصلاح السياسي من أجل ضمان مشاركة أبنائها المغتربين في الحياة السياسية والمدنية والأهم لضمان نزاهة هذا التصويت وعدم التلاعب فيه واستخدامه لنصرة بعض المقربين من النظام..
كلنا أبناء مصر، مقيمون فيها أو بخارجها، نشأنا فوق تراب وطن واحد، وإن كنا غير ذلك,,, كيف نطالب بالوحدة العربية ونحن لا نطبقها على مستوى الدولة الواحدة؟، وكيف نطلب من الآخرين صون كرامة أبنائنا في الخارج واحترامهم ونحن لا نعترف بحقوقهم التي تؤكد تواجدهم وارتباطهم ببلدهم..