أسامة بديع يكتب: إلى عقلاء السياسة


ورد إلىَّ العديد من التعليقات وردود الأفعال على مقالى السابق «صراع فى كيانات هشة»؛ حيث تباينت الآراء بين مؤيد لما ذكر فيه وبين من رأى تحاملى على الاحزاب السياسية وكوادرها، ولذا وجب التنويه إلى أننى أحد المنتمين إلى حزب سياسى ومحسوب من كوادره، ولدينا نفس الأعراض الموجودة فى بقيه الأحزاب والتى نحاول علاجها من خلال المناقشات المستمرة حول هذا الموضوع، بالإضافة إلى أن الهدف من المقال السابق والمقال الذى بين أيدينا هو الوقوف على الأسباب الحقيقية المؤدية لإخفاق الأحزاب السياسية، وعدم فاعليتها، واستعراض نقاط الضعف لعله يكون ناقوس خطر يوقظ عقلاء الوطن بصفة عامة وعقلاء الأحزاب بصفة خاصة قبل فوات الأوان.

وقد يتساءل البعض لماذا بدأت بتناول النقاط المتعلقة بالأحزاب وأدائها وكوادها دون التعرض لنقاط الاشتباك والالتباس مع الدولة ومؤسساتها؟ والاجابة ببساطة أنه على الرغم من أن الدولة طرف أصيل فى دعم وتنمية الحياة السياسية والحزبية إلا أننى مؤمن ومقتنع بأن إصلاح حال الأحزاب يجب أن يكون بدايته من الأحزاب نفسها «بمعنى الإصلاح من الداخل»، فلو فرضنا أن المناخ العام ملائم ومناسب للجميع بشكل كامل للعمل السياسى والحزبى، فهل الأحزاب بوضعها الحالى تستطيع أن تتصدر المشهد السياسى، وتقود عملية التحول الديمقراطي؟ وهل تستطيع الأحزاب بناء كوادر سياسية قادرة على المنافسة فى جميع الاستحقاقات الانتخابية دون استثناء؟ وهل الأحزاب لديها رغبه حقيقة فى تمكين الشباب والمرأة دون إقصاء أو تمييز؟ بالقطع فإن الإجابة هى لا.
فجميعنا يعلم حجم المشاكل والتحديات التى تواجه الاحزاب السياسية على مستويات مختلفة منها السياسى والمالى والتنظيمى والأيديولوجى، ومنها ما هو متعلق بالمناخ السياسى العام من قوانين وتشريعات وإعلام ومؤسسات وغيرها.
ولهذا فإن هناك ضرورة ملحة لفتح ملف الأحزاب بشكل شامل دون تعصب أو مكابرة أو توارى عن مواجهة الحقيقة ودون أخذ الأمور بحساسية زائدة أو مبالغة مفرطة.
الواقع يشير إلى أن الأحزاب السياسية تحتاج إلى إعادة هيكلة داخلية وتغير النمط الفكرى الذى تتعامل به سواء فيما يخص إدارتها لشئونها الداخلية أو فيما يخص أداؤها فى التعامل مع الملفات السياسية المختلفة والتى اقتصرت على ممارسه عبر الأسلاك والميديا فقط، وانحصر نشاطها فى إصدار بيانات يقتصر مضمونها إما على تأييد وثناء حافل أو على شجب وإدانة لقرار صادر دون النظر أو التفكير فى طرح أفكار ورؤى وبدائل تهدف إلى تحسين حياه المواطنين.
أولى التحديات التى تواجه جميع الأحزاب هى مشكلة التمويل وتدبير الأموال اللازمة للقيام بأنشطة حزبية متنوعة تعزز من فرص انتشار الأحزاب والتسويق لأفكارها وبرامجها لكى تسطيع بناء كوادر سياسية فاعلة وقاعدة شعبية مؤيده تدعمها فى أى سباق انتخابى وتمكنها من المشاركة فى صناعه القرار.
هذه المعضلة إن لم تحل بشكل جذرى فسوف تبقى الأحزاب سائرة فى نفس النفق المظلم تائهة ما بين رجل أعمال يتعامل مع الحزب على أنه فرع من فروع شركاته ومؤسساته الاقتصادية، وما بين شخص شبه متفرغ لا يمتلك نفس ثروة رجال الأعمال لكن هو القائم الوحيد على مصروفاته الشهرية، وكل ما يشغله هو كيفية السيطرة على الحزب وتقيده وتوريثه بعد انقضاء أجله، وما بين نخبة سياسية مستفيدة من هذا الوضع بكل ملامحه ولا تريد حدوث أى تغيير أو تقدم فيه.
وحيث إن كثيرا من الأحزاب السياسية ليس لديها «مشروع سياسى» ولم يصل غالبيتها لمرحلة النضج السياسى على الرغم من أن بعضها أحزاب تاريخية عتيقة والبعض الآخر ممثل ومتواجد فى المجالس النيابية بغرفتيها إلا أن حالة التخبط التى وصلت إليه السنوات الماضية أدى إلى صرف نظر الشخصيات العامة ورجال الأعمال الذين ليس لديهم هوس السيطرة على الأحزاب عن التبرع لها ودعم ميزانيتها، وبالتالى فإن على الأحزاب إعادة التفكير فى كيفية التغلب على شبح التمويل الذى يضعها إما تحت ابتزاز شخص واحد، وهو صاحب المحفظة أو طريق ملىء بمخاطر الانكماش والانقراض الحتمى والتهميش.
يجب على قادة الأحزاب الإسراع فى عقد سلسلة من الحوارات الجادة والفاعلة مع أعضائها وقواعدها للخروج برؤية واضحة وحلول شاملة للتغلب على مشاكلها، وبالأخص مصادر التمويل؛ لأنها نقطة مفصلية وركيزة أساسية من ركائز نجاح أى عمل حزبى.
أعتقد أن الفترة القادمة سوف تشهد قانونا جديدا للأحزاب السياسية، يكون منوطا به تنظيم الحياة الحزبية وتسهيل عمل الأحزاب بشكل كامل، أتمنى أن يحتوى هذا القانون على مواد تساهم فى تنوع مصادر تمويل الأحزاب وطرق الرقابة عليها، وأن يكون للدولة دور مؤثر فى هذا، سواء عن طريق تقديم دعم مالى للأحزاب الفاعلة والموجودة والمؤثرة حتى ولو بشكل مؤقت أو من خلال ودائع بنكية تساهم فيها الأحزاب نفسها ويتم تخصص فوائدها لدعم العمل الحزبى والسياسى حتى تتحرر الأحزاب من سيطرة رأس المال والفرد الواحد، ويكون لدينا مؤسسات وكيانات حزبية قادرة على تشكيل الوعى السياسى العام وتحقيق تنمية سياسية حقيقية تواكب المرحلة الحالية بكل مشتملاتها.

وللحديث فى شئون الأحزاب بقية...


أسامة بديع
أمين شباب حزب الإصلاح والتنمية